لدى الطرف اللبناني : حوالي ألف قتيل من المدنيينوآلاف المدنيين الجرحى، وعدد غير معروف منمقاتلي حزب الله القتلى والجرحى.
أكثر من مليون لاجئ، هنا وهناك .
ما الذي جنيناه بهذا الثمن الباهظ؟
” متقطب، ذليل ومكبوح الجماح ” – هكذا وصف الصحافييوسف فرطر أولمرط بعد بضع ساعات من وقف إطلاقالنار .
أولمرط؟ ذليل؟ هل هذا هو أولمرط ذاته الذيعرفناه؟ أولمرط ذلك الذي ضرب بقبضته على الطاولةوصرخ: ” كفى! ” ؟ الذي قال ” بعد الحرب سيكون الوضعمختلفا تماما عما كان عليه قبلها ” ؟ الذي وعد ” بشرقأوسط جديد ” بعد للحرب؟
نتائج الحرب ظاهرة للعيان :
· الأسرى، الذين استخدم إطلاق سراحهم ” دونقيد أو شرط ” مبررا ( أو ذريعة ) للحرب، لم يتمإرجاعهم. سوف يُطلق سراحهم في إطار صفقة لتبادلالأسرى – وهذا ما اقترحه بالضبط حسن نصر الله قبلالحرب.
· حزب الله بقي على ما كان عليه. لم يُقضى عليه،لم يُنزع سلاحه، حتى أنه لم يتزحزح من مكانه. لقدأثبت مقاتلوه جدارتهم في المعركة وحظوابالتقدير والإطراء من قبل جنود إسرائيليين أيضا.منظومة القيادة والاتصالات في حزب الله واصلتأداءها بشكل جيد حتى اللحظة الأخيرة. قناةالتلفزيون التابعة له واصلت بثها.
· حسن نصر الله حي يُرزق . لم يُقتل . هيبتهارتفعت إلى الأعالي . كل العالم العربي يتغنى به،وصوره تزيّن الجدران من المغرب حتى العراق.
· الجيش اللبناني سينتشر على امتداد الحدود،إلى جانب قوات دولية كبيرة. هذا هو التغييرالحقيقي الذي تم إحرازه.
هذه القوات لن تأخذ مكان حزب الله. حزب الله سيظلعلى الأرض، في كل قرية وبلدة. لم ينجح الجيشالإسرائيلي في طرده حتى ولو من قرية واحدة. هذاببساطة لم يكن ممكنا، فهم يشكلون جزءا لا يتجزأ منالسكان.
الجيش اللبناني والقوات الدولية لن يستطيعانولن يكونان معنيين في مواجهة حزب الله. تواجدهمهناك متعلق بموافقة حزب الله. من الناحيةالفعلية، ستنشأ هناك منظومة هشّة مكونة من ثلاثقوى، ستبقى إحداها إلى جانب الأخرى وستضطر إلىالتفاهم فيما بينها. من الممكن للقوات الدولية أنتمنع هجمات حزب الله، كالهجمة التي سبقت الحرب،ولكنها ستمنع أيضا العمليات التي سيقوم بهاالجيش الإسرائيلي، مثل الطلعات الجوية في سماءلبنان، لذلك عارض الجيش الإسرائيلي بشدة، فيالبداية، إدخال مثل هذه القوات.
يسود إسرائيل جو عارم من خيبة الأمل وانقباضالصدر. من هوس إلى هلوسة. لا يقتصر الأمر على كونالجنرالات والسياسيين يتهمون بعضهم البعض، بلتعدى ذلك إلى توجيه اللائمة من قبل الجمهور منكافة أوساطه. يشتكي الجنود من طريقة إدارة الحرب،ويتذمر جنود الاحتياط من الفوضى وفشلالإمدادات، وبدأت تتبلور لدى كافة الأحزابمعارضات وهناك تهديدات بالانشقاق. هذا ما يحدث فيكاديما وهذا ما يحدث في حزب العمل. يبدو أن هناكغليان في ميرتس أيضا، التي أيد معظم زعمائهاتنّين الحرب حتى اللحظة الأخيرة تقريبا، وعندهاالتقطوا ذيله وأغمدوا خناجرهم فيه.
تتصدر مسيرة الانتقادات وسائل الإعلام، كيف لا.كل زمرة المذيعين والمحللين، المراسلين (فيماعدا قلة قليلة) والجّراسلين (المراسلون الجراء)،الذين انتشوا من فيض الغبطة بسبب الحرب، الذينخدعوا وزيّفوا وشوّهوا، وأخفوا وموّهوا وكذبوالصالح الوطن، الذين سدوا الأفواه التي وجّهت أيانتقاد ووصموا بالخيانة كل معارضي الحرب – ها همالآن يتصدرون رعاع الراجمين. كم كان هذا متوقعا،كم هو دميم. فجأة تذكروا ما قلناه في بداية الحرب.
ترمز إلى هذه المرحلة، النظرة التي يُنظر بها إلىرئيس الأركان دان حالوتس. حتى الأمس، كان بطلالجماهير، وكان يُمنع التفوه بأية كلمة بحقه. هاهو الآن يوصف بأنه سمسار حرب. قبل لحظة من إرسالهالجنود إلى ساحات المعركة المشتعلة، وجد لهالوقت الكافي ليبيع أسهمه المالية، حيث كانيتوقع هبوط مؤشر السوق المالي. (آمل بأنه قد وجدالوقت الكافي لشرائها مرة أخرى قبل لحظة من نهايةالحرب).
للانتصار في الحرب يوجد، كما هو معروف، الكثير منالآباء، وأما الفشل في الحرب فهو يتيم.
من بين وابل الاتهامات والتذمّر ينتصب شعارواحد، يكفي ليثير القشعريرة لدى كل من لا تخونهذاكرته: ” السياسيون لم يدعوا الجيش ينتصر ” .
وكما كتبت هنا قبل أسبوعين بالضبط، ها هي تعودوتُبعث، أمام أعيننا، الحبكة الروائية القديمة:” طعنة في ظهر الجيش من الخلف ” .
فيما يلي تسلسل الأحداث : أخيرا، وقبل يومين منالنهاية، بدأت الحملة البرية تتشكل. بفضل جنودناالبواسل، جنود الاحتياط، كان ذلك نجاح باهر.وعندها، حين كنا على وشك إحراز النصر الكبير، جاءوقف إطلاق النار وأوقف التقدم.
ليس في هذا أي كلمة صادقة واحدة. هذه العملية التيتم التخطيط لها والتدرّب عليها مسبقا وطيلةسنوات، لم تخرج إلى حيز التنفيذ قبل ذلك لأنه كانمن الواضح أنه لن يتم إحراز أي مكسب ذي قيمة في وقتسيكلف الكثير من الضحايا. صحيح أنه كان من شأنالجيش أن يحتل مساحات واسعة، ولكن لن تكون لديهالقدرة على إبعاد مقاتلي حزب الله من هذهالمساحات، فبلدة بنت جبيل المتاخمة للحدود كانقد احتلها الجيش الإسرائيلي ثلاث مرات، إلا أنمقاتلي حزب الله قد بقوا فيها حتى النهاية. إذااحتللنا 20 بلدة كهذه، لكان الجنود والدباباتسيتعرضون إلى الهجمات الفتاكة في 20 موقعا، من قبلأفراد العصابات وسلاحهم المطوّر المضادللدبابات.
إذن لماذا تقرر، رغم ذلك، في اللحظة الأخيرةتقريبا الشروع في حملة ” توسيع ” – بعد أن كانت هيئةالأمم المتحدة قد اتخذت قرارا بوقف الأعمالالعدوانية؟ الإجابة على هذا السؤال مرعبة: لقدكانت مناورة ساخرة، حقيرة للغاية، من قبلالثلاثي الفاشل. لقد أراد أولمرط، بيرتس وحالوتساختلاق ” شكل من أشكال النصر ” ، كما جاء في وسائلالإعلام بشكل علني. لقد قدموا 33 جنديا قربانا علىهذا المذبح.
كان الهدف هو التقاط الصور للجنود المنتصرين علىضفاف الليطاني. لقد توفرت للحملة مدة محدودةقدرها 48 ساعة، حتى موعد دخول وقف إطلاق النار إلىحيّز التنفيذ. رغم استخدام الجيش للمروحياتلإنزال الجنود، إلا أنه لم يتم تحقيق الهدف. لم يصلالجيش الإسرائيلي إلى ضفاف الليطاني.
بهدف المقارنة : في حرب لبنان الأولى، حرب أريئيلشارون عام 1982، عبر الجيش الإسرائيلي الليطاني فيالساعات الأولى. (الليطاني، الذي كان ذات يومنهرا حقيقيا، ما هو اليوم إلا واد ضحل. يتم استغلالمعظم مياهه في الشمال البعيد. يبعد مقطعه الأخيرحوالي 25 كيلومترا عن الحدود، ولكن المسافة بجانبالمطلة هي أربعة كيلومترات فقط).
في هذه المرة، عندما بدأ سريان مفعول وقف إطلاقالنار، وصلت كل الوحدات التي شاركت في الحملة إلىالقرى في طريقها إلى الليطاني، وتحولت هناك إلىهدف للرماية، يحيط بها مقاتلو حزب الله من كل حدبوصوب، تفتقر إلى طرق الإمدادات الآمنة. منذ تلكاللحظة كانت لدى الجيش الإسرائيلي أمنية واحدةفقط: إخراج هذه الوحدات من هناك بأقصى سرعة ممكنة،بغض النظر عمن سيحل محلها.
إذا تمت إقامة لجنة تحقيق رسمية – ومن الواجبإقامتها – لتتحقق من خطوات سير الحرب، ابتداء مناتخاذ القرار بشنها، فإن عليها أيضا أن تحقق حولالأسلوب الذي تم اتخاذ القرار فيه بشن هذه الحملةالأخيرة. إن موت 33 جنديا والمعاناة التي لحقتبعائلاتهم تستوجب ذلك!
ولكن هذه الحقائق ما زالت غير واضحة أمام الجمهور .غسل الدماغ الذي انتهجه المحللون والجنرالاتالمتقاعدين، الذين سيطروا في تلك الأثناء علىوسائل الإعلام، قد حولوا هذه الحملة الغبية – وكدتأقول ” الجنائية ” – إلى مسيرة انتصار باهر. كان أثروقع قرار المستوى السياسي وقف هذه الحملة علىالجمهور كعمل نفذه سياسيون انهزاميون، يفتقرونإلى عمود فقري، مفسدون في الأرض، وربما خونة.
هذا هو بالضبط الشعار الجديد لليمين، وخاصةاليمين الفاشي، الذي بدأ الآن يرفع رأسه.
بعد الحرب العالمية الأولى، وبظروف مشابهة،نشأت حبكة ” السياسيون طعنوا الجيش المنتصر منالخلف ” . هذا هو الجواد الذي امتطاه أدولف هتلر فيطريقه إلى السلطة مباشرة – وإلى الحرب العالميةالثانية.
الآن، وقبل دفن جميع الضحايا، بدأ الجنرالاتالفاشلون يتحدثون عن ” كرّة أخرى ” دونما خجل، عنالحرب التالية التي ستنشب قريبا، ” بعد شهر أو بعدسنة ” ، إنشاء الله. فمن غير الممكن إنهاء الأمربهذا الشكل، بالفشل. أين هي كرامتنا؟
الجمهور الإسرائيلي يعاني الآن من حالة منالصدمة والبلبلة. اتهامات صحيحة وغيرها مهلوسةبدأت تلوح الآن في الفضاء من كافة الاتجاهات، ولايمكن أن نعرف إلى أين ستصل الأمور.
ربما، في نهاية الأمر، سينتصر المنطق بالفعل،المنطق القائل: إن ما ثبت بشكل واضح أنه لا يوجد حلعسكري. هذا صحيح في الشمال، وهذا أكثر صحة فيالجنوب، فهناك شعب كامل يواجهنا، لم يعد لديه مايخسره. نجاح حرب العصابات اللبنانية سيشجع حربالعصابات الفلسطينية.
لكي ينتصر المنطق يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا:علينا أن تدرك الفشل، أن نبحث عن أسبابه الأكثرعمقا وأن نستخلص العبر التي لا بد منها.
هناك من يريد منع ذلك بأي ثمن. يعلن الرئيس بوش بصوتمسموع أننا قد انتصرنا في الحرب. نصر باهرللأشرار. كما انتصر هو ذاته في العراق.
ماذا يشبه هذا الأمر؟ إنه أشبه بفريق كرة قدم،مُنح إمكانية اختيار حكم المباراة. ليس من العجبأن يُعلن بأنه هو الفائز فيها.