لو تصرفت بهذا الشكل، لكان علي أن أخلع قبعتي، كلبضع دقائق، عندما أشاهد التلفزيون هذه الأيام،أستمع إلى الراديو وأقرأ الصحف. أجد فيهم أشياءكتبتها قبل سنوات، وبالأخص الأشياء التي كتبتهامنذ بداية الحرب.
على سبيل المثال : طيلة عشرات السنوات حذّرت مراراوتكرارا من أن الاحتلال يفسد الجيش الإسرائيلي.ها هي الصحف الآن مليئة بمقالات حاذقة لمحللينمحترمين، يدّعون – يا للمفاجئة! يا للمفاجئة! أنالاحتلال قد افسد الجيش الإسرائيلي.
هذا ما يقولونه بلغة عبرية صرفة : ” صباح الخير ياإلياهو ! “
إذا كان فيما أقول نفحة من السخرية، فأنا أعتذر.أنا أكتب آملا في أن تقنع أقوالي القراء – وبالأساسرجالات المؤسسة – وأن يكرروها في أقوالهم بعد ذلك.أنا سعيد على الانتحال حين يحدث هذا الآن.
ولكن من المهم أن نقول كــــيــــف ” أفسدالاحتلال الجيش ” . وإلاّ فسيكون هذا مجرد شعار ولننتعلم منه شيئا .
خلفية شخصية : في منتصف حرب عام 1948 واجهت تجربة غيرمريحة أبدا . نمت نوما عميقا في حقل في صوافير (سبيراليوم)، بعد يوم من المعارك. كان ينام من حولي بقيةأفراد فصيلة ” شوعالي شمشون ” . فجأة، أيقظتني قنبلةمخيفة، انفجرت وسطنا. القتلى: صفر. الجرحى: 1.
كيف حدث ذلك؟ الأمر بسيط للغاية: كان جميعنا ينامفي حفر شخصية قمنا بحفرها، رغم تعبنا، قبل أن نأويإلى النوم. كان من المفهوم ضمنا، في ذلك الحين، أنهعند الوصول إلى مكان ما، يجب التحصّن. في بعضالأحيان كنا ننتقل ثلاث مرات في اليوم من مكان إلىآخر، وفي كل مرة كنا نتحصّن من جديد.
هذا الأمر قد انتهى . في إحدى لحظات الذروة، في حربلبنان الثانية، قُتل 12 جنديا من فصيلة كانت تجلسفي حقل بجانب كفار غلعادي. اشتكى الجنود في وقتلاحق من أنهم لم يدخلوهم إلى الملجأ أو إلى منطقةآمنة. ألم يسمع جنود اليوم أبدا عن الخنادق؟ هل كانلديهم أصلا معاول حفر شخصية؟
كذلك الأمر في العمق اللبناني : كيف حدث أن اكتظالجنود في غرف المنازل، أصيبوا بالجملة، بدل أنيحفروا الخنادق؟
يبدو أن الجيش لم يُفطم من هذه العادة. هذا ليسعجيبا: الجيش الذي يتعامل مع ” مخربين ” في الضفةالغربية وقطاع غزة لا يحتاج إلى أن يتحصّن، فليسمن طائرة ستلقي عليه القنابل، وليس من مدفعسيقصفه. لقد ألقي بمعول الحفر منذ زمن بعيد.
هذا صحيح بالنسبة لأذرع الجيش البرية، الجويةوالبحرية. إنه لمن المتعة بالتأكيد قتال عدو لايمكنه أن يحتمي كما يجب. ولكن من الأخطر التعوّدعلى ذلك.
لنأخذ سلاح البحرية على سبيل المثال. منذ سنوات،يبحر مستمتعا على امتداد شواطئ غزة ولبنان، يقصفكما يحلو له، يستوقف الصيادين، يفحص السفن. لميفكر ذات مرة في أن العدو يمكن أن يردّ على إطلاقالنار. وفجأة حدث هذا، وفي بث حي ومباشر. حزب اللهأطلق صاروخا نحوه وأصاب الهدف.
لا حدود للمفاجئات . يبدو ذلك وكأنه وقاحة . ما معنىذلك؟ عدو يرد على إطلاق النار؟ إلى أين وصلنا؟ولماذا لم تخبرنا الاستخبارات بوجود شيء كهذا،يدعى صاروخ أرض-بحر؟
وفي الجو كما في البحر . منذ سنوات يطلق سلاح الجوالنار ويقصف ويقتل كما يحلو له. يمكن له أن يقتلشخصا جالسا في سيارة مسافرة بدقة متناهية (معالمارة بالطبع). المستوى التقني ممتاز إلى أبعدالحدود. ولكن؟ لا يوجد من يرد عليه النار في نفسالوقت.
اضطر الطيارون البريطانيون في أيام ” القلة التيكان الكثيرون مدينون لها ” إلى مواجهة طياريالوورماكت الأشداء، فقضي على معظمهم. بعد ذلك،عندما قصف البريطانيون والأمريكيون ألمانيا،تصدت لهم مضادات الطائرات الفتّاكة.
وأما طيارونا فلا تواجههم مثل هذه المشاكل. عندمايشنون غاراتهم على الضفة والقطاع، لا يواجههمطيارو العدو، ولا توجد مدافع مضادة للطائرات. هميملكون السماء، ويمكنهم أن يهتموا بمهمتهمالحقيقية: تدمير بنى الحياة التحتية وأنيُستخدموا كجلادين طائرين، يُعدمون كافة أهداف “التصفية الموجهة ” ، ويشعرون ” بضربة خفيفة فيالجناح ” ، عندما يمطرون قنابل تزن طنا على البيوتالسكنية.
هل هذا يمنحنا سلاح جو أفضل؟ هل هذا يؤهلهمللمعركة ضد عدو حقيقي؟ حتى في لبنان، لم يواجهوا(حتى الآن) دفاعا أرضيا ضد الطائرات. المروحيةالوحيدة التي تم إسقاطها أصيبت جراء سلاح مضادللمدرعات، حين كانت تنزل جنودا على الأرض. ولكن ماالذي سيحدث في الحرب القادمة، تلك التي يتحدثالجميع عنها بأنها حرب أكيدة؟
والقوات البرية ذاتها؟ كيف تم تأهيلها لهذهالحرب؟
منذ 39 عاما، يُضطر جنود الجيش الإسرائيلي إلىالقيام بوظيفة حراس الاحتلال: العدو وراءالأولاد الذين يلقون الحجارة والزجاجاتالحارقة، التغلب على نساء يحمين أولادهن في وجهالاعتقال، القبض على أشخاص نائمين في بيوتهم،الوقوف طيلة ساعات على الحواجز واتخاذ القراربشأن السماح لامرأة حامل بالعبور أو إرسال شيخمريض إلى بيته. في أشد الحالات، عليهم اجتياحالقصبة، مواجهة ” مخربين ” غير مدرّبين، كل مالديهم لمواجهة المحتل هو كلاشنكوفات مقابلدبابات وطائرات، شجاعة وإصرار لا يمكن تصديقهما.
فجأة، تم إرسال هؤلاء الجنود لمواجهة مقاتلينأشداء ومدربين بشكل جيد في لبنان، ذوي معنوياتعالية، كانوا مستعدين للموت بهدف تنفيذ مهمتهم.مقاتلون تعلموا كيف ينقضّون من جهة غير متوقعةوكيفية التملص واللجوء إلى الخنادق المجهزةبشكل جيد، واستخدام أسلحة متطورة وناجعة.
” لم يدربونا على مثل هذه الحرب ! ” يشتكي أفرادالاحتياط، وبحق. أين كان يمكن لهم أن يتدرّبوا؟ فيأزقة جبالية؟ في المسرحيات التي تم إخراجها،المفعمة بالعناق والدموع، والتي حملت اسم ” الحسّوالإصرار ” أمام مستوطنين مدلّلين؟ يبدو أنه منالأسهل فرض الطوق على ياسر عرفات ومجموعة حراسهغير المدربين في المقاطعة من احتلال بنت جبيلمرارا وتكرارا.
هذا الأمر صحيح أيضا بالنسبة للمدرعات. من السهلتفعيل دبابة في الشارع الرئيسي في غزة أو ضد سلسلةمن المنازل في مخيم جبالية للاجئين، ضد أولاديرمون الحجارة، بينما يفتقر العدو إلى مقاتلينالتدريب والأسلحة المتطورة. من الأصعب بكثيرتفعيل الدبابة في منطقة مأهولة في لبنان، بينمايمكن لمقاتل مدرّب أن يخرج من أي ناحية، يحملسلاحا متطورا جدا مقاوما للمدرعات – فهذه حكايةمختلفة تماما، ناهيك عن أن الدبابة الأكثر تطورالدى الجيش الإسرائيلي غير محصّنة ضد الصواريخالجديدة.
العفن المتأزم الذي أكل المنظومة اللوجيستية.يستخدم الجيش الإسرائيلي الآن مصطلحا جديدا(التزويد)، ولكن ليست له منظومة تزويد تعمل بشكلناجع. وما الحاجة إلى وجودها؟ لا حاجة إلى منظومةلوجيستية معقدة بهدف ” تزويد ” الجنود المرابطينعلى حاجز قلنديا.
الحقيقة البسيطة هي أنه منذ عشرات السنين لم يضطرالجيش الإسرائيلي إلى مواجهة قوة عسكرية جدية.كانت المرة الأخيرة التي اضطر فيها إلى فعل ذلك،في لبنان عام 1982، قبل 24 عاما، على جبهة الجيشالسوري.
لقد قلنا آنذاك في أسبوعية ” هعولام هازيه ” أنالحرب هي بمثابة فشل عسكري ذريع، ولكن هذهالأقوال قد تم إسكاتها ولم يصرّ أي محلل عسكري علىذلك. في تلك الحرب أيضا، لم يحرز الجيش الإسرائيليأهدافه في الوقت الذي تم تحديده: فإما أنه قد وصلمتأخرا، أو أنه لم يصل بتاتا. على الجبهة السوريةلم يصل الجيش الإسرائيلي إلى طريق بيروت-دمشق،وعلى الجبهة الفلسطينية وصل إلى هناك بعد الموعدالذي تم تحديده، خارقا بذلك اتفاق وقف إطلاقالنار.
الحرب الجدية الأخيرة التي خاضها الجيشالإسرائيلي كانت حرب تشرين. صحيح أنه قد أحرزالنصر بعد الفشل الذريع الذي مني به في بدايةالحرب، إلا أن هذا الأمر قد حدث بعد ست سنوات فقط منبداية الاحتلال. الآن، وبعد 33 سنة، نحن نرىالنتائج الكاملة لسرطان الاحتلال، الذي أرسلنقيلاته إلى كافة أعضاء جسم الجيش الإسرائيلي.
كيف يمكن وقف السرطان؟ كيف يمكن شفاؤه؟
يقترح المحلل زئيف شيف الدواء. يعبر شيف عادة عنرأي قيادة الأركان. (يمكن أن تكون هناك حالات، فيالسنوات الأربعين الماضية، أنه قد عبر عن رأي لايتوازى بالصدفة مع رأي قيادة الأركان- ولكن إنوجدت مثل هذه الحالات، فقد نسيتها). إنه يقترح نقلوظائف الاحتلال من الجيش الإسرائيلي إلى حرسالحدود.
اقتراح جميل، ولكنه غير عملي أبدا. هل ستقيمالدولة جيشا كبيرا آخر، مخصص للاحتلال، نوع منفرقة أجنبية درزية، إضافة إلى الجيشالإسرائيلي، الذي يكلفها الآن حوالي 50 مليار فيالسنة.
ولكن يوجد، والحمد لله، دواء آخر. دواء يثير العجبفي بساطته: التحرر من الاحتلال. الانسحاب منالأراضي الفلسطينية بالتفاهم وبالتعاون. إحلالالسلام مع الشعب الفلسطيني وتركه يبني دولتهالمستقلة إلى جانب دولة إسرائيل.
وفي هذه المناسبة، إحلال السلام مع سوريا ولبنانأيضا.
حيث يتمكن ” جيش الدفاع الإسرائيلي ” – فهذا هو اسمهالرسمي – من العودة إلى وظيفته الأصلية: الدفاع عنحدود دولة إسرائيل المعترف بها دوليا.