في كل الدول وفي كل الحروب، عندما يخفقالجنرالات، تنشأ أسطورة ” الطعنة من الخلف ” : لولاقيام المستوى السياسي بإيقاف الجيش، لكان الجيشسيحقق نصرا كبيرا، باهرا وتاريخيا.
هذا ما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالميةالأولى، وقد خلّفت هذه الأسطورة الحزب النازي.هذا ما حدث في فييتنام، وهذا ما سيحدث لدينا،فالهمسات الأولى قد أصبحت تُسمع.
الحقيقة المجردة هي أنه حتى اليوم، اليوم الثانيوالعشرين من الحرب، لم يتم إحراز أي هدف منأهدافها العسكرية. ذلك الجيش الذي انتصر علىثلاثة جيوش عربية كبيرة عام 1967، بستة أيام، لمينجح في التغلب على ” منظمة إرهابية ” في وقت فاق حتىالآن الوقت الذي استغرقته حرب أكتوبر. عندها نجحالجيش الإسرائيلي، في غضون ثلاثة أسابيع، فيتحويل الخسارة الفادحة في بداية الحرب إلىانتصار عسكري واضح في نهايتها.
بهدف خلق صورة من الإنجاز، ادعى الناطقون بلسانالجيش أمس أننا قد ” نجحنا في قتل 200 (أو 300، أو 400، من ذاالذي يعد) من بين 1000 مقاتلي حزب الله. إن الادعاءبأن حزب الله القوي لم يضم سوى 1000 مقاتل، يشهد علىنفسه.
يروي المراسلون أن الرئيس بوش ” محبط ” ، فالجيشالإسرائيلي ” لم يزوّد البضاعة ” . لقد أرسله بوش إلىالجبهة القتالية إيمانا منه بأن هذا الجيشالهائل، المزود بأكثر الأسلحة الأمريكية تطورا “سينجز العمل ” خلال عدة أيام. لقد كان من المتوقع أنيقضي على حزب الله وأن يقدم لبنان إلى الموالينللولايات المتحدة، أن يضعف إيران، وربما أن يفتحالطريق لإسقاط نظام الحكم في سوريا. ليس من العجبأن يغضب بوش.
إيهود أولمرط أكثر غضبا . لقد خرج إلى الحرب بنفسمبتهجة وقلب قوي، لأن جنرالات سلاح الجو قد وعدوهبالقضاء على حزب الله وصواريخه خلال عدة أيام،وها هو الآن يغوص في الوحل، ولا يبدو للعيان وجودأي حسم عسكري.
كما جرت العادة لدينا، فور انتهاء الحرب على جبهةالقتال ( وربما قبل ذلك ) ستبدأ ” حرب الجنرالات ” . وهاهي الجبهات قد أصبحت تبدو واضحة .
أفراد القوى البرية يتهمون رئيس الأركان وثمالةالقوة لدى سلاح الجو، الذي وعد بإحراز النصرلوحده تقريبا. أن يقصف، يقصف ويقصف، أن يدمرالطرقات والجسور، الأحياء والقرى، وانتهىالأمر.
مؤيدو رئيس الأركان وسائر جنرالات سلاح الجوسيتهمون القوى البرية، وخاصة قيادة لواء الشمال.ها هم الناطقون باسمهم بدءوا يدّعون في وسائلالإعلام أن هذه القيادة مليئة بالضباط الذينتنقصهم الخبرة، وقد أرسلوا إلى هناك لأن الشمالكان يعتبر غير مهم، في حين كانت العملياتالحقيقية تدور رحاها في الجنوب (في غزة) وفي الوسط(في الضفة الغربية).
هناك إشارات إلى أن قائد اللواء الشمالي، أوديآدم، قد عُين في هذه الوظيفة كتقدير لذكرى والدهفقط، الذي قتل في حرب لبنان الأولى.
وبالفعل، ألم يتم التدرّب على تلك الحرب طيلةسنوات؟ ألم يُجرى تدريب شامل قبل عدة أسابيع فقطمن الحرب، حيث أثبت بأننا سننتصر دون أية مشاكل؟
هذه الادعاءات المتبادلة محقة بما فيه الكفاية .هذه الحرب مرصوفة بالإخفاقات العسكرية – في الجو،في البر وفي البحر.
مصدر هذه الإخفاقات هو الغطرسة الشديدة التيترعرعنا عليها والتي هي جزء من طبيعتنا الوطنية.إنها تميز الجيش الإسرائيلي بقدر أكبر، وخاصةسلاح الجو.
طيلة سنوات كان يروي أحدنا للآخر أن لدينا أفضلجيوش العالم. لم نقنع أنفسنا فحسب، بل أقنعنا كذلكالرئيس بوش والعالم أجمع. فنحن قد أحرزنا نصراباهرا في حرب حزيران 1967. لذلك، عندما لم نحرز نصراساحقا بستة أيام هذه المرة، تعجّب الجميع. ماذاحدث؟
أحد الأهداف المعلنة للحرب هو إعادة تأهيل قوةردع لدى الجيش الإسرائيلي. ولم ننجح في ذلك إلى حدبعيد.
أن الوجه الآخر لعملة الغطرسة هو الاحتقارالعميق للعرب، حيث أدى هذا الوجه بالجيشالإسرائيلي إلى إخفاقات كبيرة في الماضي. يكفيناأن نذكر حرب تشرين. والآن يتعلم جنود الجيشالإسرائيلي، بأصعب الطرق ” أن ” المخربين ” هممقاتلون أشداء، وليسوا مدمنين على المخدراتالذين وعدوهم بالحوريات في الجنة.
ولكن ناهيك عن الغطرسة والاستهتار بالخصم، هناكمشكلة عسكرية أساسية: ليس من الممكن إحراز النصرفي حرب العصابات. لقد تعلمنا ذلك خلال 18 سنة منتواجدنا في جنوب لبنان. عندها استخلصنا العبروانسحبنا، بلا عقل، بلا اتفاقية، وبدون التحدثمع الطرف الآخر، فنحن لا نتفاوض مع ” مخربين ” – حتىوإن كانوا الحركة المسيطرة على الميدان. ورغم ذلكانسحبنا.
لا يعلم سوى الشيطان من ذا الذي منح الجنرالاتاليوم هذه الثقة بالنفس التي لا ترتكز على أساسمتين، وقال لهم بأنهم سينتصرون في المكان الذيفشل فيه سابقوهم فشلا ذريعا.
والأهم من ذلك كله : حتى أفضل جيوش العالم لا يمكنهأن ينتصر في حرب ليس لها أهداف واضحة. قال كارلفون-كلاوسفيتش، وهو أب النظريات الحربية، أنالحرب ليست إلا ” استمرارا للسياسة بوسائل مختلفة” . أولمرط وبيرتس، هاويان لا غير، قد قلبا الأموررأسا على عقب: ” الحرب هي انعدام السياسة بوسائلمختلفة ” .
يقول المهنيون أنه بهدف الانتصار في الحرب هناكحاجة إلى ( أ ) أن يكون لها هدف واضح، ( ب ) أن يكون هذاالهدف قابل للتحقيق و ( ج ) أن تتوفر الوسائللتحقيقه .
كل هذه الأمور الثلاثة غير متوفرة في هذه الحرب.إنه ذنب المستوى السياسي.
لذلك ستلقى المسؤولية الأساسية لهذه الحربالفاشلة على الثنائي أولمرط-بيرتس. لقد استسلمالإغراءات اللحظة، وأدخلا الدولة في حرب بقرارمتسرّع، دون تفكير ودون تخطيط.
وكما كتب نحميا شطرسلر في صحيفة ” هآرتس ” : كانبإمكانهم أن يتوقفوا بعد يومين أو ثلاثة أيام،حين كان العالم بأسره يوافق على أن استفزاز حزبالله كان يستوجب ردا إسرائيليا، وعندما لم يكنأحد ليشك في قدرة الجيش الإسرائيلي حتى تلكاللحظة. كانت هذه الحملة تبدو معقولة، عقلانيةوبمقاييس صحيحة.
ولكن لم يكن بإمكان أولمرط وبيرتس أن يتوقفا.كجنديين مبتدئين في أمور الحرب، لم يعرفا أنه منغير المسموح الاتكال على الأقوال المتغطرسةالتي يتفوه بها الجنرالات، وأن قيمة أفضل الخططالعسكرية لا تساوي قيمة الأوراق التي رسمتعليها، وأن في الحرب أمور لا يمكن توقعها، وأنه لايوجد شيء زائل أكثر من الشروع في الحرب. إن شعبيةالحرب أسكرتهما، زمرة من ” الجّراسلين “(المراسلون الجّراء) المتملقين قد حرضتهما،وهالة قيادة الحرب قد أخرجتهما عن رشدهما.
لقد انفعل أولمرط بخطابات مبتذلة، تدرّب عليهامع مساعديه. أما بيرتس فقد وقف، على ما يبدو، أمامالمرآة ورأى فيها نفسه رئيس الحكومة التالي،السيد أمن، بن غوريون الثاني.
هكذا، مثل معتوهين متشردين في القرية، على أنغامالطبول والزمور، خرجا في مقدمة مسيرة الحماقة،باتجاه الفشل السياسي والعسكري مباشرة.
يمكننا التكهن بأنهما سيدفعان الثمن بعد الحرب.
ماذا جنينا من هذا الموضوع كله؟
ما زلنا لا نتحدث حتى الآن عن القضاء على حزب الله،عن نزع سلاح المنظمة، عن القضاء على كل الصواريخ.هذه الأمور قد طواها النسيان منذ زمن.
في مستهل الحرب، عارضت الحكومة معارضة شديدةفكرة مرابطة قوات دولية، من أي نوع كانت، علىامتداد الحدود. فسّر الجيش بأن مثل هذه القوات لنتحمي إسرائيل، بل ستقيّد قدرتها على التصرف.والآن تحول موضوع مرابطة هذه القوات إلى الهدفالأساسي من الحرب. يواصل الجيش الإسرائيلي الحربلكي ” يجهز المنطقة لدخول القوات الدولية ” ،وأولمرط يعلن عن أنه سيواصل القتال حتى تصلالقوات إلى المنطقة.
هذه، بطبيعة الحال، ذريعة بائسة، سلّم للنزول عنالشجرة. لا يمكن إقامة قوة دولية دون موافقة حزبالله. أي من الدول لن ترسل جنودها إلى مكان يقاتلونفيه أبناء البلاد. وأي مكان سترابط فيه هذهالقوات، سيعود إليه السكان الشيعة، ومعهممقاتلي حزب الله، الذين انخرطوا بينهم.
في المستقبل أيضا، سيكون وجود هذه القوات متعلق،بشكل يومي، بموافقة حزب الله. إذا انفجرت عبوة تحتحافلة مليئة بالجنود الفرنسيين، ستنطلق صرخةمدوية لإعادة الجنود إلى بلادهم. لقد حدث ذلك ذاتمرة لقوى البحرية الأمريكية في بيروت.
الألمان، الذين أحدثوا ضجة في العالم هذاالأسبوع حين عارضوا النداء لوقف إطلاق النار، لنيرسلوا جنودا بالتأكيد. ما ينقصهم هو إطلاق النارعلى الجيش الإسرائيلي!
وبالأساس – لا شيء سيعيق حزب الله عن إطلاق القذائفمن فوق رؤوس أفراد القوات الدولية، إذا أرادواذلك. ماذا ستفعل هذه القوات آنذاك؟ هل ستحتل كلالمناطق لتصل إلى بيروت؟ وكيف سيكون رد فعلإسرائيل؟
إنهم يريدون أن يسندوا إلى القوات الدولية مهمةمراقبة الحدود السورية-اللبنانية. هذا وهم أيضا.الحدود طويلة، على امتداد الجهتين الشرقيةوالشمالية من لبنان. من يريد تهريب الأسلحة لن يمرعن طريق الطرق الرئيسية، إذا رابط عليها جنود منالقوات الدولية. سوف يجدون آلاف المواقع للقيامبذلك، وبمساعدة الرشوة، يمكن أن تحصل على أي شيءفي لبنان.
لذلك، وبعد انتهاء الحرب، سنقف في نفس المكانتقريبا الذي وقفنا فيه قبل بدء هذه المجازفةالبائسة، قبل قتل ما يعادل ألف لبنانيوإسرائيلي، قبل طرد أكثر من مليون إسرائيليولبناني من بيوتهم، قبل هدم أكثر من ألف بيت لدىالطرفين.
بعد الحرب، عندما ستتلاشى الإثارة، وستبردالأدمغة، وستتوب وسائل الإعلام إلى رشدها،ويلعق سكان الشمال جراحهم، ويجري الجيشالإسرائيلي فحصا داخليا، ويدّعي الجميع بأنهمكانوا ضد الحرب منذ يومها الأول، سيأتي يومالحساب.
الاستنتاج المفروغ منه إذن : إقصاء أولمرط، إبعادبيرتس وإقالة حالوتس.
لكي نسلك طريقا جديدة، طريق هي وحدها القادرة علىحل المشكلة: محادثات وسلام مع الفلسطينيين، معاللبنانيين، مع السوريين. نعم بالتأكيد: مع حماسوحزب الله. وليس لنا أن ننسى الأسرى.
لأن السلام يُصنع بين الأعداء .