300 قبلة

هل نبدأ بالأخبار الجيدة أم بالأخبار السيئة؟لكوننا متفائلين إلى حد الإدمان سنبدأ، بطبيعةالحال، بالأخبار الجيدة .

يمكننا القول في هذا السياق : لا يغرّك المظهر بلأنظر إلى الجوهر . أفيغدور ليبرمان ليس عضوا فيالحكومة الجديدة .

لقد بذل قصارى جهوده ليصعد إلى السفينة. لقد لبسقناع يكاد يكون ليبراليا. ولكن سمك مملح لذيذتناوله مع يوسي بيلي، الذي قال عنه أنه إنسان لطيفالمعشر ومحبب إلى النفس. امتنع عمير بيرتس بعدالانتخابات عن الالتزام بألا يجلس معه فيالحكومة ذاتها. كان يبدو أن ذلك العنصري المتغطرسسينجح في كسب الشرعية الرسمية لآرائه الفاشية.

إلا أن ذلك الذئب المفترس لم يأخذ بالحسبان مكرالثعلب. لقد حرّك إيهود أولمرط ذلك المتغطرسالغليظ بأصابعه كما يحلو له. في اللحظة الأخيرة،أبقي ليبرمان على الشاطئ، ينظر بعينين متّقدتينإلى الأعلام الخفاقة التي ترفرف فوق السفينةالتي تشق طريقها بين الأمواج.

حين استشاط غضبا، نزع قناعه الوديع، حين طالب فيأول خطاب له في الكنيست إعدام النواب العرب، بسببلقائهم بأعضاء الحكومة الفلسطينية. بعد هذاالحدث لن يشاركه الأكل أحد حتى يوسي بيلين ذاته.

الخبر الجيد الثاني هو أن شاؤول موفاز قد أبعد عنوزارة الدفاع. هذا الرجل الرجعي، ملك ” التصفياتالموجّهة ” ، نزل عن برج وزارة الدفاع العاجي إلىقاع بئر وزارة المواصلات. كم هو ممتع أن نرىالكاريكاتير الذي يظهره وهو في دبابة يسافر فيشوارع تل أبيب.

يشوب هذا السرور قلق عميق . من الصعب أن نعتاد علىعبارة ” وزير الدفاع عمير بيرتس ” . بعد بضع ساعات فقطمن أداء القسم بالولاء في وظيفته الجديدة، أطلقجنود النار على سائق سيارة أجرة فلسطيني منالخلف، لا ناقة له ولا جمل، بجانب أحد الحواجز،وأردوه قتيلا. قبل يوم واحد من تلك الحادثة قتلوا “خطأ ” امرأة فلسطينية في مخدعها. منذ الآن، سيتحملبيرتس مسؤولية كل هذه الأعمال، التي تحولت إلىأمر اعتيادي لدى الاحتلال. لقد أدخل نفسه إلى وضعمستحيل تقريبا. يبدوا أن علينا أن نجري المظاهراتالقادمة ضده.

الخبر الجيد الثالث هو أنه هذه الحكومة هي حكومةمدنية. متقلدو المناصب الرفيعة الأربعة (رئيسالحكومة، وزير الدفاع، وزير المالية ووزيرالخارجية) هم مواطنون . إنها دون أدنى شك إشارةبلوغ .

من بين 25 وزيرا، هناك اثنان فقط من الجنرالات (موفاز وبنيامين بن إليعيزر ) ، غير أن منصبيهما همامنصبان صغيران. حتى عدد رجالات الشاباك فيالحكومة (جدعون عزرا، أفي ديخطر ورافي إيتان) هوأكثر من ذلك. غير أنه لا يجدر بنا أن نفرح لذلكمسبقا: حكومة مدنية بالذات يمكن أن تكون مستعبدةلنفوذ الجنرالات ويتعزز الإحساس لديها بأنعليها أن تبيّن قوتها العسكرية (ككلمات الأغنية:كل ما يمكنك أن تفعله، يمكنني أن أفعله بشكل أفضل).هل سيتجرأ هؤلاء المواطنين على عصيان رئيسالأركان، الذي يحضر كافة جلسات الحكومة ويمليالسياسية باسم ” الأمن ” ؟

لا توجد أسود في هذه الحكومة . إنها حكومة ثعالب،ويتزعمها رئيس القطيع. مع غياب أريئيل شارون،غابت آخر الشخصيات الكبيرة من جيل 1948. وجود شمعونبيرس الذي يثير الشفقة، بين هذا الأمر أكثر فأكثر.إنها حكومة مؤلفة من وصوليي الأحزاب الذينيميلون مع مهب الريح.

تعاني هذه الحكومة من ثغرتين بارزتين. لقد اقترفأولمرط أول خطأ فادح، حيث لم يضم إلى الحكومةالجديدة أي وزير من جمهور الناطقين باللغةالروسية. مليون قادم جديد من دول الاتحادالسوفييتي سابقا، وكثيرون من بينهم ملطخون أصلابآفة العنصرية المزمنة التي جلبوها معهم منموطنهم الأصلي، سيبعدون الآن أكثر فأكثر إلىالهامش اليميني. إنه خطر جسيم وخبر سيء .

هناك جمهور تعداده مليون ونصف المليون قد بقيخارجا هو أيضا: المواطنون العرب. فهذه الحكومة،الحادية والثلاثون على مر السنوات الثمانيوالخمسين منذ قيام الدولة، هي حكومة يهوديةوليست إسرائيلية. لا يوجد فيها أي وزير عربي. هذاالجمهور الكبير سيدفع به هو أيضا إلى الهامش. وهذاخبر سيء جدا. هذه الكليشيهات التي يتفوه بهاأولمرط عن المساواة بين كل المواطنين لا يمكنهاأن تغفر ذلك.

إذن م ا الذي يتصدر جدول أعمال حكومة أولمرط؟ يبدوأن الإجابة هي إجابة مبتذلة: مجرد وجودها. توحدهاالإرادة القوية في البقاء على قيد الحياة فيالسنوات الأربع والنصف القادمة.

أوضح تعبير على ذلك كان أوليمبياد القُبل الذيأجري في الكنيست في حفل أداء الوزراء للقسم. هذاالتأجج من السرور الصبياني يميز من يربح فياليانصيب أكثر من وزراء من شأنهم أن يواجهوامشاكل مصيرية ويجدوا لها الحلول.

رئيسة الكنيست، داليا إيتسيك، وهي أول امرأةتتقلد هذا المنصب، تحولت إلى ” ميزوزاه ” (رقّ صغيريُكتب عليه إصحاحان من سفر التثنية ويركّب علىالباب حيث يقبله الداخلون إلى المكان – المترجم)،حيث انهال عليها كل الوزراء بالقبل (فيما عداالحاريديم). بعد ذلك قبّل الوزراء الجدد بعضهمبعضا وقبّلوا جميع أعضاء الكنيست الذين اعترضواطريقهم بالضمّ والتربيت القوي على الكتفين. إذاحسبنا ما معدله دزّينة قبل لكل وزير، فقد كانتهناك حوالي 300 قبلة.

من الصعب تصوّر مثل هذا السيناريو في أي برلمان فيالعالم، ناهيك عن الكنيست الأولى. دافيد بنغوريون لم يكن مقبّلا كبيرا.

الراية المرفرفة على سفينة الأميرال هي إذن راية “الانطواء ” . كان هذا وما زال شعار أولمرط الرئيسي،ولكن لا يجدر بنا أن نحبس أنفاسنا حتى يتم تفيذه.

لقد أعلن أولمرط ذاته أنه قبل التنفيذ يجب تخصيصوقت للحوار. الحوار مع من؟ مع المستوطنين. معالولايات المتحدة. مع ” المجتمع الدولي ” . ومن هوالغائب عن هذه القائمة؟ صحيح، الفلسطينيون. لايمكن (ولا حاجة) للحوار معهم – حتى يعترفوا بحقالدولة اليهودية في الوجود، يوافقوا على كلالاتفاقيات التي تم توقيعها، يوقفوا العنفوينزعوا سلاح المنظمات. باختصار، الاستسلام دونقيد أو شرط. ولربما سيتم تسجيلهم، حينئذ، فيالهستدروت الصهيونية. أولمرط صبور، فهو مستعدللانتظار لمدة سنتين.

في هاتين السنتين، من شأن الولايات المتحدةوالمجتمع الدولي أن يعترف بالحدود الدائمة التيترغب حكومة أولمرط في رسمها كما يحلو لها وبشكل “أحادي الجانب ” ، دون موافقة الفلسطينيين ودونالتحدث معهم. غير أنه قبل أن يحدث ذلك، سينمو الشعرعلى راحة يد أولمرط.

خلال هاتين السنتين لن تحرك الحكومة ساكنا من أجلالسلام. بل على العكس، ستقوم بتوسيع الكتلالاستيطانية – وكأنها تجهز مكانا لاستيعابالمستوطنين الذين سيتم إخلاؤهم من المستوطناتالكبيرة المعزولة. أي بما معناه: أولا، ضم وتوسيعرقعة المستوطنات الكبيرة، وبعد ذلك فقط – إنشاءالله – تفكيك بعض المستوطنات الصغيرة. وفق هذهالخطة، سيبقى كل المستوطنين عبر الخط الأخضر.أولمرط كان قد رفض رفضا باتا الاقتراح القاضيبدفع تعويضات للمستوطنين الذين يرغبون في إخلاءأنفسهم منذ الآن والعودة إلى المناطق التابعةلإسرائيل.

وما هو أحسن خبر ؟ تتحدث هذه الحكومة بصراحة عن “تقسيم البلاد ” ، التي تعتبر ” خشبة النجاة لدىالصهيونية ” . إنها تتحدث عن انسحاب من ” معظم مناطقيهودا والسامرة ” وعن تفكيك المستوطنات. هذا يشهدعلى وجود تحرك كبير في الرأي العام.

صحيح أن أحد قادة العنصريين موجود في الكنيست وهوإفي إيتام، قد صرخ أنه ” لا توجد أغلبية تؤيدالانسحاب ” ، ولكن يجدر به أن يعود إلى الصف الثالثالابتدائي وأن يتعلم الحساب. صحيح أنه وفقالتوزيع العنصري، هناك 58 مؤيد يهودي فقطللانسحاب (27 عضو يهودي في كديما، 18 في العمل، 7 فيحزب المتقاعدين، 5 في ميرتس، 1 من الجبهةالديموقراطية للسلام والمساواة)، وبقيةالأعضاء الإثني عشر هم من العرب الذين يؤيدونبطبيعة الحال الانسحاب (1 في كديما، 2 في العمل، 2 فيالجبهة، 3 في الحزب العربي الديموقراطي، 2 فيالقائمة الموحدة).

استناد إلى ذلك، لا توجد في الكنيست أغلبية (70مقابل 50) تؤيد تقسيم البلاد، بل هناك ” أغلبيةيهودية ” كبيرة (58 مقابل 50). هذا تغيير جيولوجي فيالرأي العام – تغيير بطيء ولكنه قوي ومتواصل.

القليلون يؤمنون أن هذه الحكومة ستدوم فعلا لمدةأربع سنوات ونصف. التكهن بشكل عام يفيد بأنهاستسقط بعد سنتين، حين تبدأ خطة ” الانطواء ” . من شبهالمؤكد عندها أن شاس ستنسحب.

لقد طلب أولمرط منا أن نتسلح ” بالصبر ” . حسنا،سننتظر الانتخابات القادمة بفارغ الصبر.